الاثنين، يناير 21، 2013

الاستقصاء العلمي



الاستقصاء العلمي

يشهد تدريس العلوم في الوقت الحاضر اهتمام المختصين وذلك بهدف تحسين وتطوير مناهج العلوم وطرائقه وأساليب التدريس لتصبح أكثر فاعلية لذا نجد أن دور مدرس العلوم قد تغير، فبدلاً من أن يعمل على حشد المعلومات وتلقينها للطلبة، أصبح مساعداً ومرشداً لهم. وقد تعددت الدراسات والأبحاث حول الأساليب المتبعة في تدريس العلوم أو مدى فاعليتها في تحقيق الأهداف المنشودة من تدريسها. ومن الانتقادات التي ما زالت توجه إلى طرائق تدريس العلوم حتى اليوم, التركيز على تحصيل المعلومات حيث وضع في الاعتبار وكأنها بمثابة الهدف الوحيد من العملية التعليمية؛ مما اثر بشكل أو بآخر في التدريس وانعكس هذا الأثر على مدى فعاليته في الطلاب، وما يتعلق بكل من القدرات المتعلقة بالفهم وتوظيف المعلومات.

كما أكد (John Michaelis) إن أهداف تدريس العلوم في ضوء الاتجاهات الحديثة هي تطوير كفايات علمية في تطبيق المعلومات التي يحصلون عليها خلال استخدام أنماط الاستقصاء العلمي وتقويمها.

ولكي تحقق التربية في مدارسنا أهدافها عليها أن تأخذ بأساليب ومداخل التدريس التي تعتمد على الاستقلال وتؤكد المهارات الاستقصائية والبحثية وعمليات العلم الأساسية فضلاً عن الجانب المعرفي، ومن أهم هذه المداخل مدخل الاستقصاء. ومن التعاريف التي وضعت لتوضيح معنى الاستقصاء:

الاستقصاء طريق في التدريس يكون المتعلم فيها مركز الفاعلية، ويوضع في موقف تعليمي يحتم عليه التفكير مع توجيه وإرشاد من قبل المعلم لتحقيق الأهداف المرسومة مسبقاً، كما أشار (Beyer) إلى أن الاستقصاء إستراتيجية عقلانية موجهة ذاتياً لتجعل الخبرة ذات معنى، فهي طريقة في التفكير تتطلب معالجة منظمة للمعلومات للتوصل إلى جواب مبرر لسؤال أو مشكلة.

لقد استخدم الفلاسفة في أحيان كثيرة الاستقصاء في السعي للوصول إلى الحقائق حيث يهدف اكتشاف المعرفة، وذلك بطرح الأسئلة والبحث عن إجابات عنها، ففي هذا الكون ثمة أسئلة عديدة تحتاج إلى حلول وإجابات وان هذه العملية تحتاج بلا شك إلى التفكير، ففي الطريقة الحوارية التي استخدمها سقراط تطرح الأسئلة ومن الإجابات تتولد أسئلة أخرى. وهكذا إلى أن يصل المتعلم بنفسه إلى المعرفة، ولذلك يعد الاستقصاء من أدوات التفكير ووسيلة للوصول إلى المعرفة وتدريب العقل على ممارسة التفكير.

إن الاستقصاء يتضمن كلا من الجانب العملي والجانب الفكري وليس معنى ذلك أن الاستقصاء هو الطريقة الوحيدة التي يستخدم فيها التفكير العلمي، ولكن اعتماده على المساءلة (طرح الأسئلة) يجعل منه طريقة تفكير تنمي هذه المهارة لدى الطلاب.

وللطريقة الاستقصائية ميزات منها:

-1يعد تعلماً يهتم بكشف المعاني وتوضيحها والأفكار وتضميناتها.

2- تعلم يشرك الطالب في مناقشة المخطط الدراسي.

3- يهتم بنمو الطالب الفكري.

4- يهتم بالأساليب للوصول إلى المعاني.

وفي العصر الحديث أدى الاتجاه الاستقصائي دوراً على جانب كبير من الأهمية ولعل من مصادر الاهتمام المعاصر بالاستقصاء النظرية الاجتماعية التي ظهرت في مجال التربية خلال السنـــوات 1920-1930 وذلك من خلال أفكار جون ديوي (Dewey) وهارولد رق Harold Rugg، ووليم كليباترك (William Kilpatrick) وبويدبود (Boyd Bode)

لقد اعتبر هؤلاء المربون أن هدف التربية الأول هو مواجهة مشكلات المجتمع، وإعادة بناء النظام الاجتماعي على أسس أفضل واقرب إلى الإنسانية. وبالتالي يجب أن لا يقتصر عمل المدرسة على مجرد نقل المادة الدراسية، بل يجب إعطاء الطلبة الفرصة للتساؤل والاستفسار تمهيداً لقبول هذه المعلومات أو إعادة بنائها على أساس جديد. والطريقة التي تحقق المدرسة بها هذا الدور هي الطريقة الاستقصائية.

قام العالم J.Richard Suchman في أوائل السبعينات في القرن العشرين في جامعة الينويز في أمريكا ببناء أنموذج للتعلم الاستقصائي لطلبة المرحلة الإعدادية، وطبقه على مواد العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء. وذلك بتتبع خطوات ديوي بعد تطويرها إلى أسلوب للتدريس يقود الطالب إلى كفاية عالية من حل المشكلات أو الاستقصاء.

لقد جاء أنموذج سكمــان كأحــد نماذج التدريـس الصفي والتي استحدثت لتلاءم العصر التقني الذي نمر به، إذ لم تعد طريقة الشرح والطباشير (Talked and Chalk) وحدها كافية لنقل أفكار العصر وتقنيته من أذهان المخترعين والمفكرين والعلماء إلى أذهان المتعلمين، لذلك أصبح لابد من طرائق أكثر تقدماً لتناسب المتعلم الذي نريد. وتحوله من إنسان سلبي يمارس عليه فعل التعليم إلى إنسان ايجابي يشارك في العملية التعليمية ويصبح محوراً فعالاً فيها.

لقد توصل سكمان إلى أن عملية الاستقصاء تتحقق أثناء تدريس العلوم عندما يتاح للطلبة فرصة تكوين الفرضيات وجمع المعلومات لاختبارها بعد أن شاهدوا موقفاً يتحدى فرضياتهم ويوصل الطلبة للمعلومات عن طريق المناقشة بالسؤال والجواب. وبإمكانهم تحويل فرضياتهم إلى أفعال في أي وقت، إذ لا يقدم للطلبة شرحاً أو تفسيراً للموقف موضوع النقاش ولا يحكم على فرضياتهم إنما يقودهم للحكم على معقوليتها، ويتم هذا كله وسط جو من التجريب العلمي.

إن الغاية الأساسية للاستقصاء هي توصيل الطالب للمفهوم العلمي الجديد، بحيث يصبح لهذا المفهوم معنى في حياته، وكذلك تنمية المهارات الإدراكية في البحث، ومعالجة المعلومات ومصطلحات المنطق والسببية التي تمكن الطالب من الاستقصاء بطريقة مرنة ومنتجة، لإعطاء الطالب مدخلاً جديداً للتعلم، والذي عن طريقه يستطيعون بناء مصطلحات خلال تحليل الإحداث المترابطة، واكتشاف الصلاتِ بين المتغيرات والاستفادة من مصدرين من مصادر الدوافع الذاتية وهما: الجزء الناتج من الخبرة الايجابية في الكشف، والإثارة الكامنة في البحث المرن لمعالجة المعلومات.

وهنالك ميزات تدفع الأفراد إلى زيادة تعقيد بتاءاتهم الفكرية، من اجل السعي بصورة دائمة لجعل ما يواجههم من أمور ذات معان أعمق، واذا ترك الفرد لرغباته فانه يغذي عقله المتفتح بعملية الاستقصاء والتي يتم عن طريقها ثلاث وظائف هي:

1. مواجهة البيئة Encountering the Environment.

2. معالجة المعلومات المتحصل عليها Processing the Data.

3. إعادة تنظيم المعلوماتReorganizing one’s own Knowledge.

إن الفرد عندما يواجه بيئة محيرة فإنه يحتاج إلى استكشاف المعلومات المحيطة به، وعندما يحصل على هذه المعلومات فإنه يحتاج إلى وضعها معاً بطريقة جديدة حتى يتمكن من إعادة تنظيم معرفته.

ويرى العلماء أن النقاط الأربع الآتية تعد الإطار المميز للاستقصاء:

• إن الطلاب يتساءلون طبيعياً عندما يتفاجؤن بسؤال محير.

• إنهم يستطيعون أن يكونوا واعين ويتعلمون تحليل استراتيجياتهم الفكرية.

• إن الاستراتيجيات الجديدة يمكن تعليمها مباشرة وإضافتها إلى الاستراتيجيات الموجودة أصلا.

• إن التساؤل التعاوني يغني التفكير ويساعد الطلاب على تعلم طبيعة المعرفة التجريبية والمنطقية واحترام التفسيرات البديلة والإضافية.

فالاستقصاء تدريب استفساري يهتم بمساعدة الطلاب على ممارسة عملية التساؤل التلقائي أو المستقل، ولكن بطريقة منهجية منظمة بحيث يحصل الطلاب على معلومات تتعلق بأسئلتهم ويعالجوها بطريقة منطقية، بحيث يمكن أن يطوروا استراتيجيات عقلية عامة يمكن استخدامها في تفسير الظواهر وضبطها والتنبؤ بها، وهو كذلك تدريب استفساري يقوم على أساس تهيئة المواقف التعليمية التي تساعد على ممارسة عملية الاستقصاء والتحقق من الظواهر والأحداث باستخدام إجراءات محددة غير مألوفة لدى الطالب في التعلم.

شروط التعلم الاستقصائي:

1. اختيار حادث أو ظاهرة تستشير اهتمامات الطلاب، وتدفعهم إلى التساؤل والبحث عن تعليل أو تفسير، إذ أن الظواهر الغامضة أو غير المتوقعة أو غير المعروفة هي المناسبة لموضوعات التعليم الاستقصائي.

2. يجب أن تكون الظاهرة المستهدفة بالتعليم أو التدريب، على درجة من الأهمية والغموض بحيث تثير دهشة الطلاب أو استغرابهم على نحو يحول دون ظهور اللامبالاة لديهم.

3. يجب أن تكون أسئلة الطلاب من النوع الذي يمكن أن يجيب عنه المدرس بكلمة نعم أو لا، أي ينبغي تجنب السؤال عن تفسير أو تعليل الظاهرة موضوع الاهتمام، ومحاولة الإدلاء بعبارات استفهامية تقرر حقيقة أو واقعة معينة في نظر هؤلاء الطلاب، وعلى المدرس أن يبين لهم ما إذا كانت عباراتهم صحيحة أم لا.

4. يجب أن يدور الحوار التعليمي على نحو يمكن الطلاب من تحديد حقائق الظاهرة موضوع البحث، وشروط حدوثها أو تفسيرها، وتنظيم هذه الحقائق على نحو منطقي يسهل عمليات التفسير والضبط والتنبؤ.

مراحل التعليم الاستقصائي:

ينطوي نمط التعليم الاستقصائي على خمس مراحل أساسية هي:

المرحلة الأولى: عرض المشكلة أو الحدث ومواجهته وتتضمن المرحلة الإجراءات الآتية:

- عرض المشكلة من قبل المعلم.

- توضيح نمط الأسئلة المستخدمة (أسئلة نعم أو لا).

- ملاءمة المشكلة للخصائص التطويرية للطلاب.

- تحديد مشكلات تستدعي التقصي والتساؤل.

- البدء بمشكلات اقل تعقيداً ثم الانتقال إلى مشكلات أكثر تعقيداً.

- تجنب قضايا مألوفة أو اعتيادية.

- تهيئة الجو المناسب لطرح عدد كبير من الأسئلة.

المرحلة الثانية: مرحلة جمع البيانات والمعلومات

وتتضمن ما يأتي:

- يتدرب الطلاب للحصول على المعلومات حول الحدث أو الموقف عن طريق طرح الأسئلة على المعلم الذي بدوره يجيب (بنعم) أو (لا).

- ينبغي على المعلم أن يستثير الطلاب للمساهمة بعدد كبير من الأسئلة المتنوعة الموجهة نحو توفير الخبرات والمعلومات.

- يتدرب الطلاب على استخدام استراتيجيات ذهنية مناسبة.

- يساعد المعلم الطلاب على التوصل إلى معلومات عن طريق التجريب والاختبار.

- يتدرب الطلاب على التجريب اعتماداً على ما طوروه من فرضية محددة قدر الإمكان.

المرحلة الثالثة: مرحلة التجريب واختبار المعلومات

وتتضمن ما يأتي :

- الأسئلة التي يطرحها الطلاب تشكل الفرضيات الأولية.

- تصاغ هذه الفرضية على صورة أسئلة وتحتمل الصواب والخطأ.

- اكتشاف المعارف الجديدة.

- تطوير الفرضيات.

- ممارسة الضبط والتحكم بعناصر الموقف لاختيار الفرضية وتجريبها.

- مساعدة الطلاب على الانضباط وعدم القفز إلى النتائج بسرعة.

المرحلة الرابعة: مرحلة التفسير

وتتضمن ما يأتي:

- يواجه الطلاب صعوبة في ردم الفجوة الذهنية بين المعلومات التي قاموا بجمعها وتقديم تفسير واضح.

- يطلب من الطلاب تقديم تفسيرات علمية للظاهرة موضوع المناقشة.

- يواجه الطلاب مشكلة تكوين أفكار مبنية على العلاقة بين الأفكار أو الخبرات أو المعلومات المتوافرة والتفسير الصحيح المترتب على ذك.

- يحتاج الطلاب إلى تكثيف النظريات التي يطورونها ويشجعون على ضمها للوصول إلى نظرية واحدة تفسر الحدث.

ويختتم هذا النشاط التدريب على الاستقصاء بالمرحلة الخامسة

:المرحلة الخامسة: عملية الاستقصاء

وتتضمن ما يأتي:

- تهدف هذه المرحلة إلى تعميق الاستقصاء والفهم للظاهرة.

- تدريب الطلاب على إجراء عمليات تقويمية مرتبطة بالأسئلة التي تم طرحها والبيانات والمعلومات التي تم التوصل إليها وأسلوب صياغة الفرضية وبناء النظرية.

- تدريب الطلاب على عملية ذهنية محددة مثل عمليات التمييز، الربط، الاستدلال، وإصدار الحكم وفق معايير محددة.

- تدريب الطلاب على صياغة تعميمات تتعلق بالخبرات التي مروا بها أثناء ممارسة الاستقصاء الذهني.

الأهداف التي يمكن أن يحققها الاستقصاء:

1. زيادة استقلالية الطالب للوصول إلى المعرفة والخبرات التي يحتاجها.

2. تفعيل دور المتعلم عن طريق تفاعله مع الخبرات التي يواجهها.

3. استغلال طاقات المتعلم في الفهم والاستطلاع والاستقصاء والتساؤل.

4. فهم عمليات التفكير التي يجريها المتعلم ووعيها وتحليلها وتطويرها.

5. استثارة التفكير لدى المتعلم.

6. زيادة نمو وتطور المتعلم وفق عناصر بيئته ومجتمعه.

7. مساعدة المتعلم على توظيف الاستراتيجيات التعليمية والتفكيرية في مواقف تعليمية وحياتية مختلفة.

8. تدريب الطلاب على ممارسة أسلوب العالم في التفكير فيما يواجههم من قضايا وأحداث.

9. يعزز استراتيجيات البحث العلمي الأساسية لدى الطلاب مثل الملاحظة وجمع المعلومات وتنظيمها، وتحديد المتغيرات وضبطها وصياغة الفرضيات واختبارها واستنتاج الدلائل، ووضع النظريات.

10. يعزز الاتجاهات والقيم الضرورية لتطوير التفكير العلمي من خلال تأكيد النشاط الذاتي للمتعلم والمثابرة وتقبل الغموض والتفكير المنطقي وقابلية المعرفة للتغيير والتعديل.